لوحات الفنان اديب خليل تشي بموهبة فنية وعطاء يمكن ان يحقق مزيدا من التقدم فهو يمتلك التنوع في المواضيع اذ تنتشر في لوحاته الكثير من هموم واقعنا وموضوعاته . وهو يمتلك القدرة التخيلية التي تتسع في رؤاها وتكثف الرموز في ان واحد ويبرز في لوحاته قدرته على توظيف الالوان جميعها دون الاتحياز الى لون معين .
كما يلفت النظر في لوحاته اعتماده الطريقة التركيبية في استخدام الصور والكلمات ,خاصة كلمات الاغاني كما في لوحة : اجراس العودة فلتقرع .
وهنا نود ان نتعرض الى مسألة قد تثير الجدل , وهي وجود بعض اللوحات التي تتضمن المبالغة او عدم التوائم بين السمات الفنية للعمل والصلات الواقعية لموضوعه . وهذا ما نلاحظه في ثلاث لوحات احداهما لم تحمل اسما معينا لكنها تحمل دلاله , وهي تمثل جزمة طويلة سوداء تدوس على خارطة الوطن العربي بحيث تدميها وتخنق انفاسها , الجزمة ضخمة وكرة الوطن العربي صغيرة ومقدمة الجزمة على شكل فم واسع يفتح شدقيه ويخرج منه لسان من اللهب كأنه لسان التنين .
لا نعرف اذا كانت المسوغات الفنية تتيح تحديد هذه الدلالة وهي ان الامبريالية سائدة في العالم العربي بشكل مطلق بحيث تنتفي اية مقاومة لها .
قد تبدو هذه الملاحظة سياسية , ولكننا لا نستطيع ان نقيم جدارا بين دلالة اللوحة ومعناها من جهة وواقعية عناصرها من جهة اخرى .
نفس الملاحظة (الاطلاق) تسري على لوحة “سلسلة مجاز …. سلسلة مؤامرات ” . حيث نرى على هذه اللوحة منظمة التحرير الفلسطنية وقد صلبت تماما . في القدمين نقرا سنتي 70, 79 وعلى اليدين سنة 83 والسؤال الذي يبرز : الا يوجد فرق بين مخططات الاعداء من جهة وبين درجة تحقق هذه المخططات في الواقع , بين احلامهم وواقع الحال .
اما لوحة “السجون العربية تقتل الانسان العربي والحضارة العربية فأنها تستحق وقفة اكبر وقد تكون الاكثر مثارا للجدل . فاللوحة تظهر كوة عليها شبك في سقف غرفة ويصعد من الكوة عمود فقري واطراف على شكل نخلة .
ان هذه اللوحة تطرح الى النقاش عدة مسائل : ما تقوله اللوحة ما يريده الفنان او ما يعبر عنه خلال اللوحة سواء بصورة واعية او انطلاقا من مخزون مشاعره وارهاصات نفسه .
يمكن هنا ان نتحدث عن المعاني الفلسفية التي تطرحها اللوحة وعلى وجه الخصوص قضية النظرة الى الحياة .
قد نجد حالات كثيرة في عالم السجون تدل على الاحباط واليأس والحطام . وبأمكاننا ان نرى سجينا في زنزانه قد وصل الى درجة شديدة من الهزال على اثر المرض . … التعذيب او الاضراب عن الطعام لكن ماذا تمثل النافذة او الكوة الصغيرة ؟ انه الامل والتجاوز وشيء اخر غير الشجيرة الفردية الجافة كما يقول غونة “شجرة الحياة خضراء دائماً”.
كلمة اخيرة لجهة تنطيم المعرض لقد بذلت منظمة الشبيبة الفلسطنية ضمن امكانياتها المتواضعة جهدا تنطيما بارزا في تهيئة الصالة وتجلى ذلك في تزيين المداخل بالاعلام الفلسطنية , تعليق لافتات تحمل عبارات موحية مثل ” الفنان الملتزم بقضايا شعبه لا يستبدل الواقع المعقد بواقع مزيف . نحن بحاجة الى فن نسادم يخلق في ذهن المشاهد وحسه سطه فعلية لا يمكنه ان ينساها بعد ذلك بسهولة كما تم وضع دفتر لتسجيل انطباعات واراء رواد المعرض , ثم موسيقى بحيرة البجع لتشاياكوفسكي انطلقت بهدوئها وتموجاتها من مسجلة وضعت في زاوية من زوايا الصالة لتخلق جوا مريحا يساعد على تركيز فعل الحواس وتساعد المشاهد على ان “يخلع ” على عتبه الباب اثر الصخاب الذي حمله من الشارع الرئيسي للمخيم , قبل ان يلج عالم الرسم وابعاده .
المعرض الذي اقامه الفنان اديب خليل في قاعة منظمة الشبابية الفلسطنية في مخيم اليرموك , ترك اثرا قويا لدى كل من شاهده . احتوى المعرض على 52 لوحة تم فرزها على جدران القاعة الى مجموعات تعددت في مواضيعها : فلسطنية , لبنانية , عربية , دولية , انسانية , وتمثل اللوحات رموزا مختلفة وتطرح دلالات عديدة . بعض اللوحات حمل اسماء وبعضها الاخر ترك للمشاهد , يتأمل دلالاتها ويصل الى معانيها .
وقبل ان نورد ملاحظاتنا النقدية , نود ان نتحدث بايجاز عن بعض اللوحات .
لوحة “يوم الارض ” : تعتبر بحق , من اجمل اللوحات التي احتواها المعرض . الارض لونها بني فاتح , افق بلون الشفق . ومن التراب ترتفع جذور شجرة صبار . على الاوراق اشواك مدببه . ومن فروع الشجرة واوراقها الخضراء تشكلت الكلمتان : يوم الارض . وهنا نود الاشارة الى الرمز العميق والدلالة الوحية لشجرة الصبار . حيث انها تشير الى الصبر والتحمل .
لوحة “فلسطين ” الكلمة حمراء وسط مساحة زرقاء . وحرف الطاء تم رسمه على شكل ريشه وكأن اللوحة تقول : بالدم نكتب لفلسطين .
لوحات مقاومة : شجرة ارز بداخلها الكلمات التالية : انت مشغول بقلوب يا تراب الجنوب .
وهناك لوحة رائعة تمثل الاحتلال وقد تمزق من المقاومة الصلبة : ساعد جبار يخرج من بطن الارض نهاية الساعد قبضة حازمة شديدة اليأس على شكل لكمة واعلاها دبابة تخلعت اجزاؤها من الضربة .
بيروت الحصار : شمس بيروت وصبار . امرأة مقاومة حامل , كلها عزم وتحدي حتى ان جنيتها في البطن على صورتها !
لوحة “صبرا وشاتيلا ” : السمات الفنية لهذه اللوحة تدعو الى الاعجاب انها لوحة تركيبية من الكلمات والصور . صورا معروفة نشرتها الصحف والمجلات . كلمتا “صبرا وشاتيلا ” تقطران دماء في بعض الاحرف الصقت صور لمشوهيين وجرحى صورة بتدقية كلاشينكوف كبيرة , ثبتت فوقها صورة شهيرة لطفلة صغيرة احدى يديها قد قطعت ملفوفة بالضماد الابيض اما اليد الثانية فترفع شارة النصر مع ابتسامة طفلية ملأت الوجه والصورة بدت كما لو ان البندقية تحمل الطفلة على ظهرها !.
لوحة هندية انها القصة المأساوية الشهيرة القصة الواقعية التي حدثت هذا العام في الهند حينما فتك الغاز المتسرب من احد المصانع الذي تملكه الاحتكارات الامبريالية , بمئاب من الهنود . واللوحة تصور مدخنة مصنع ينطلق منها الغاز السام والى جانبها سطر من الجماجم بلا لحم !
الهدف العدد 797 – 9 – 12- 1985